تعد شخصية كليب بن ربيعة من الشخصيات البارزة في التراث العربي، وقد عُرف بزعامته لقبيلة تغلب ودوره الكبير في حرب البسوس. يرتبط ذكر هذا الملك بالصراعات القبلية والشعر، لذا فقد أثارت ديانته اهتمام الباحثين، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن كليب لم يكن وثنياً مثل غالبية العرب في تلك الحقبة، بل كان على الأرجح مسيحياً يتبع المذهب النسطوري.
المسيحية النسطورية وانتشارها في الجزيرة العربية
المسيحية كانت منتشرة في مناطق عديدة من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، لا سيما بين القبائل العربية الشمالية. وكان المذهب النسطوري، الذي نشأ في بلاد ما بين النهرين وانتشر بين العرب في العراق والشام، هو الأكثر انتشاراً بين قبائل بكر وتغلب، ومنها قبيلة كليب بن ربيعة. كانت المسيحية النسطورية تختلف عن المسيحية التقليدية، إذ كان أتباعها يعتنقون مفهوم التوحيد، ويرفضون عبادة الأصنام والآلهة المتعددة التي كانت منتشرة في الجزيرة العربية.
شخصية كليب وأخيه الزير سالم
في ضوء هذا السياق، يُرجح أن كليب، بصفته أحد أفراد تغلب، قد تبنى المسيحية النسطورية. ومما يدعم هذا الاعتقاد أن المصادر التاريخية لا تشير إلى أي ارتباط مباشر بين كليب وبين عبادة الأصنام، وهو ما يشير إلى اختلاف ديانته عن الديانة الوثنية السائدة. كما أن أخاه الأصغر، الزير سالم، لم يُعرف بتمجيده للأصنام أو الحديث عنها في شعره، مما يعزز احتمالية انتمائهما للمسيحية النسطورية.
على الجانب الآخر، نرى أن شاعراً مثل امرئ القيس، الذي كان ينتمي إلى قبيلة كندة ويعيش في اليمن، كان وثنياً، وذكر في شعره عبادة الأصنام وتقديسها، مما يعكس التنوع الديني بين القبائل العربية في الجاهلية.
النعمان بن المنذر كمثال
ومن الشخصيات العربية البارزة الأخرى التي كانت تتبع المسيحية النسطورية النعمان بن المنذر، ملك الحيرة، الذي ارتبط اسمه بالإمبراطورية الفارسية. وقد عُرف النعمان بتوحيده لله، دون أن يؤمن بالأصنام، وهذا يشير إلى أن المسيحية النسطورية كانت تنظر للتوحيد بشكل مختلف عن الوثنية، ما جعلها جاذبة لبعض القبائل.
يعد كليب بن ربيعة مثالاً على التنوع الديني في العصر الجاهلي، حيث كانت المسيحية النسطورية تمثل جزءاً من الحياة الدينية لبعض القبائل العربية الشمالية. وبذلك، يعكس كليب جانباً مهماً من التراث العربي ويُعطي لمحة عن تنوع المعتقدات في الجزيرة قبل انتشار الإسلام.
